بسم الله الرحيم الرحيم
الحمدلله غافر الذنب وقابل التوب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وصحبه الكرام البررة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
وقال عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]
أخي القارئ: كلنا ذوو أخطاء وكلنا بحاجة ماسة إلى مغفرة الذنوب والمعاصي التي نقترفها بالليل والنهار، ومن رحمة الله بنا أن هيأ لنا أسباباً كثيرة وكثيرة جداً للمغفرة، ما أخذ بها المسلم إلا عمه الله تعالى بمغفرته ورحمته، إلا أنه سبحانه قد اشترط الإيمان والبراءة من الشرك حتى تترتب الآثار على هذه الأسباب لأن الكفر والشرك مانعان من الغفران.
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 116].
أسباب مغفرة الذنوب:
وإليك أخي الحبيب بعضاً من الأسباب التي جعلها الله موجبة لمغفرة الذنوب والخطايا حتى تدفع عن نفسك اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى وتسارع إلى مغفرة الله ورضوانه: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
1-الإسلام: قال الله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} [الأنفال: 38].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله».
2-الهجرة في سبيل الله: وهي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110].
وحديث عمرو بن العاص المتقدم وفيه «وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها».
3-الحج المبرور: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..وأن الحج يهدم ما كان قبله».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
4-الذكر عند سماع الأذان: عن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع المؤذن وأنا اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً غفر له ما تقدم من ذنبه».
5-من وافق تأمينه تأمين الملائكة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
6-من وافق قوله: (سمع الله لمن حمده) قول الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
7-صلاة ركعتين لا سهو فيهما: لقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين لا سهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه».
8-مسح الحجر الأسود والركن اليماني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً».
9-الاجتماع على ذكر الله: عن سهل بن الحنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم على ذكر الله فتفرقوا عنه إلا قيل لهم قوموا مغفور لكم».
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا ناداهم منادٍ من السماء قوموا مغفور لكم».
10-مرض الإنسان: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد لا ذنب له».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتكى المؤمن أخلصه من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الحديد».
أسباب دفع العقوبات:
أخي الحبيب...
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المؤمن إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب:
أحدها: أن يتوب توبة نصوحاً، ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثاني: أن يستغفر الله، فيغفر الله تعالى له.
الثالث: أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ} [هود: 114].
الرابع: أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويشفعوا له حياً وميتاً.
الخامس: أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
السادس: أن يشفع فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه وماله وأولاده وأقاربه ومن يحب ونحو ذلك.
الثامن: أن يبتليه في البرزخ بالفتتنة والضغطة وهي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
التاسع: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.
العاشر: أن يرحمه أرحم الراحمين.